الطفل شهيد السياسة

“أطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض” هذا ما جرت عليه العادة في بلاد العرب، حيث تعودنا صورة مثالية يضحي فيها الأب و الأم بالغالي و النفيس في سبيل راحة و سعادة أبنائهم. لكن هناك ثقافة عميقة ظاهرها الحب و البحث عن مصلحة الطفل و باطنها تملك الوالد لولده و ما يتبع ذلك من صور متعددة لاستغلال الأطقال. و هناك صور متعددة لاستغلال الأطفال في الوطن العربي، الدارج منها الاستغلال الاقتصادي أو الجنسي، و مؤخراً الاستغلال السياسي.

وجود الأطفال في الاعتصامات و التظاهرات السياسية في الوطن العربي أصبح أمراً معتاداً مؤخراً. فهم أداة ممتازة لجذب الانتياه و استجداء التعاطف مع القضية التي خرج من أجلها المعتصمون، فمن منا -افتراضاً: البشر الطبيعيون- يقوى على تجاهل استغاثة الأطفال؟ لكن في سبيل كسب تعاطفنا و تأييدنا، ترتكب جريمة عظيمة.

التفتت أنظار اليونيسيف مؤخراً إلى تواجد العديد من الأطفال في إشارة رابعة العدوية في القاهرة كجزء مهم من الاعتصامات المؤيدة للرئيس السابق محمد مرسي و الإخوان المسلمين. العديد من هؤلاء الأطفال ليسوا فقط مرافقين لأهاليهم لكنهم أيضاً يحملون أكفانهم و عليهم أردية كتب عليها “شهيد”. كعادة مؤسسات الأمم المتحدة سارعت اليونيسيف بالتنديد و إبداء القلق. كما تقدم المركز القومي للأمومة و الطفولة في مصر ببلاغ للنائب العام للمطالبة بإخراج الأطفال من مناطق الاعتصامات والتظاهرات، و لفتت الدكتورة عزة عشماوي مديرة وحدة الاتجار بالبشر في المجلس الانتباه إلى أن العديد من العناصر استخدمت أطفال الشوارع في العديد من الأحداث الدموية والمسيرات السياسية، وأكدت أن هؤلاء الأطفال يتعرضون للخطر والعنف، موضحة أن قانون الطفل ينص على أنه لا يجوز تعريض الطفل للخطر أو استخدامه لخدمة فصيل سياسى. و بالإضافة إلى تعريضهم لخطر الإصابات العنيفة أو استخدامهم كدروع بشرية، وجود الأطفال في مناطف التظاهر يعرضهم أيضاً لأخطار الاختطاف، الإصابة بالأمراض المعدية و التحرش.

هناك معضلة أخرى لا تتطرق إليها المنظمات الإنسانية كثيراً، و هي معضلة الوعي و الاختيار. من حق الإنسان الراشد اتخاذ ما يناسبه من قرارات بما فيها تعريض حياته للخطر في سبيل القضية التي يؤمن بها. هذا الممبدأ لا ينطبق على طفل لم يبلغ به النضج العقلي أن يتخذ قراراً قد يعرض حياته للخطر، أو أن يكون لديه قناعة فكرية أو سياسية تدعم هكذا قرار. فكيف يخرج أطفال يحملون لافتات تدعم الفريف هذا أو تطالب بقتل الفريق الثاني؟ من الواضح للعاقل أنهم يُستخدمون كشاشات عرض أو وسائل دعاية. كما أنها وسيلة غسيل عقول فعالة تثبت الكثير من الأيدولوجيات في عقول هؤلاء الأطفال لتخرج منهم جنوداً للقضية في المستقبل، فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر.

المحزن أكثر أن الطفل بطبيعته يثق بوالديه، و من الصعب جداً أن يعي أن والديه قد يضحيان بسلامته في سبيل فكرة أو قضية. و هنا يأتي دور قوانين حماية الطفل. أتساءل عن مدى فاعليتها في الوطن العربي. فثقافة ملكية الولد لوالده تثافة متأصلة في مجتمعاتنا. و قد تجد عبارة “هم أطفالي و أنا حر في ما أفعل بهم” دارجة و منتشرة و مقبولة تماماً. هل سيجد أطفال رابعة العدوية مثلاً تجاوباً من النائب العام فيخرجهم بقوة القانون من مناطق الاعتصام؟ أم سيلتحقون ببقية الأطفال المضطهدين في الوطن العربي الذين تكتفي منظمات حقوق الإنسان بالتنديد بمشاكلهم و تكتفي الحكومات بالفرجة عليهم دون وضع قوانين تحميهم أو تجاهل القوانين المكتوبة؟